الدولار يتراجع مع ترقب بيانات أميركية متراكمة وسط تصاعد المخاوف بشأن ضعف الاقتصاد الأميركي والعالمي

يشهد الدولار الأميركي تراجعًا واضحًا خلال تعاملات اليوم الجمعة، إذ واجهت العملة الخضراء صعوبة بالغة في تعويض الخسائر الحادة التي مُنيت بها مؤخرًا، بينما يتجه المؤشر الأميركي نحو تسجيل خسائر أسبوعية مع تزايد حالة الترقب في الأسواق لصدور دفعة كبيرة من البيانات الاقتصادية التي تراكمت بعد إعادة فتح الحكومة الأميركية.

ويأتي هذا الترقب في ظل مخاوف واسعة النطاق من أن تكشف البيانات المرتقبة عن تباطؤ اقتصادي أعمق مما كان متوقعًا.

أداء الدولار الأمريكي اليوم

تراجع الدولار خلال تداولات الليل بالتزامن مع موجة بيع طالت الأسهم والسندات الأميركية، وهي حركة أثارت ذكريات الاضطرابات التي شهدتها الأسواق في أبريل/نيسان الماضي.

هذا المشهد المتجدد دفع المستثمرين إلى تقليص رهاناتهم على قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة خلال ديسمبر/كانون الأول، وفق ما ذكرته وكالة "رويترز".

ورأى راي أتريل، رئيس أبحاث العملات الأجنبية في "بنك أستراليا الوطني"، أن الأسواق تشهد مجددًا ملامح ما وصفه بـ "بيع أميركا"، وهو تعبير يشير عادة إلى ضعف عام يطال الأصول الأميركية معًا، بما في ذلك الأسهم والدولار والسندات.

الدولار يفقد زخمه أمام اليورو والعملات الأوروبية

وعلى الرغم من توقعات الأسواق بأن يبقى الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير، فإن ذلك لم يكن كافيًا لدعم الدولار، الذي انخفض إلى أدنى مستوى له في أسبوعين مقابل اليورو خلال تداولات الليل.

وارتفع اليورو مجددًا فوق مستوى 1.16 دولار، ووصل في أحدث التعاملات إلى 1.1630 دولار، في استمرار لحركة تعافٍ عززها ضعف الدولار أكثر مما دعمها أداء اقتصادي أوروبي قوي.

كما حافظ الفرنك السويسري على مكاسبه ليستقر بالقرب من أعلى مستوى له في أكثر من ثلاثة أسابيع عند 0.7933 مقابل الدولار.

وفي السياق ذاته، انخفض مؤشر الدولار إلى مستويات قريبة من أدنى مستوى له في أسبوعين عند 99.27، مع اقتراب المؤشر من تسجيل خسائر أسبوعية تقدر بنحو 0.3%.

توقعات قاتمة لبيانات أميركية وشيكة تضغط على العملات

وأشار جوزيف كابورسو، رئيس قسم العملات الأجنبية في "بنك الكومنولث الأسترالي"، إلى أن الأسبوع المقبل سيشهد صدور عدد كبير من البيانات الاقتصادية الأميركية المتراكمة، موضحًا أن التوقعات تشير إلى أن تلك البيانات ستكون "سيئة للغاية". وأضاف أن الأسواق تستعد لما وصفه بـ "طوفان من البيانات الاقتصادية الأميركية الضعيفة".

وبالرغم من أن البيانات الاقتصادية السيئة تدفع عادةً إلى زيادة توقعات التيسير النقدي، فإن كابورسو يرى أن "فجوة البيانات" التي سبّبها الإغلاق الحكومي قد تكون السبب وراء التحركات غير المعتادة للعقود الآجلة لصناديق الاحتياطي الفيدرالي.

وفي تطور إضافي يزيد المشهد تعقيدًا، أعلن البيت الأبيض أن تقرير الوظائف لشهر أكتوبر/تشرين الأول قد لا يصدر إطلاقًا، نظرًا لعدم إجراء المسح الأسري الأساسي خلال فترة الإغلاق الحكومي.

ويقدّر المستثمرون احتمالًا يقل عن 50% لقيام الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس الشهر المقبل، بينما تبقى احتمالات تنفيذ الخفض في يناير/كانون الثاني مرتفعة للغاية.

تراجع الجنيه الإسترليني مع تبدّل السياسة المالية البريطانية

على صعيد العملات الأخرى، تراجع الجنيه الإسترليني بنسبة 0.3% إلى 1.3152 دولار، بعد أن فقد المكاسب التي حققها خلال الليل والبالغة 0.45%.

وجاء هذا التراجع عقب تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" أفاد بأن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ووزيرة المالية ريتشل ريفز قد تراجعا عن خطط رفع معدلات ضريبة الدخل، في خطوة مثّلت تحولاً سياسيًا كبيرًا قبل أيام قليلة من إعلان الموازنة المتوقع في السادس والعشرين من الشهر الجاري.

استمرار ضعف الدولار الأسترالي والنيوزيلندي

تراجع الدولار الأسترالي بنسبة 0.02% إلى 0.6529 دولار بعد تعرضه لضغوط ناتجة عن ضعف شهية المستثمرين للمخاطرة خلال جلسات الليل. كما سجل الدولار النيوزيلندي 0.5654 دولار في أحدث التداولات، بعد أن خسر 0.25% في الجلسة السابقة.

الين يلتقط أنفاسه لكنه يبقى قرب أدنى مستوى له في 9 أشهر

على الجانب الآخر، التقط الين الياباني أنفاسه اليوم الجمعة مع تراجع الدولار، ليمدد موجة التعافي لليوم الثاني على التوالي من أدنى مستوى له في تسعة أشهر وسجل الين 154.58 مقابل الدولار في أحدث التعاملات.

ويأتي هذا الارتفاع في ظل زيادة عمليات الشراء من مستويات منخفضة، خاصة مع تزايد المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد الأميركي.

ورغم تعافي الين، فإن العملة اليابانية تتجه لتسجيل خسارة أسبوعية جديدة، ما يجعلها ثالث خسارة أسبوعية خلال شهر. فقد أغلق الين تعاملات الخميس مرتفعًا بنسبة 0.2% مقابل الدولار، بعد أن لامس مستوى 155.04 ينًا، وهو أدنى مستوى له في 9 أشهر.

وعلى مدار الأسبوع، انخفض الين حتى اللحظة بنحو 0.6% مقابل الدولار.

تصرّفات سياسية واقتصادية جديدة في اليابان

صرّحت رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي هذا الأسبوع بأنها ستعمل على صياغة هدف مالي جديد يمتد لعدة سنوات، بهدف منح الحكومة مرونة أكبر في الإنفاق العام. ويُنظر إلى هذا التحول على أنه قد يؤدي إلى تقليص التزام اليابان بضبط أوضاعها المالية.

كما دعت تاكايتشي بنك اليابان إلى التباطؤ في وتيرة رفع أسعار الفائدة، مع التأكيد على ضرورة الموازنة بين دعم النمو الاقتصادي والحفاظ على استقرار الأسعار.

ويرى محللون أن هذه التصريحات قد تشكل بداية مرحلة جديدة من السياسات المالية التوسعية لدعم الاقتصاد الياباني، لكنها في الوقت ذاته تضع مزيدًا من الأعباء على بنك اليابان الذي يحاول تنسيق سياسته النقدية مع سياسة مالية أكثر انفتاحًا وأقل تقيدًا.