الدولار يتراجع قرب أدنى مستوياته في 3 سنوات ونصف وسط توقعات متزايدة بخفض الفائدة

انخفض الدولار الأميركي اليوم الجمعة إلى مستويات هي الأدنى منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف أمام اليورو والجنيه الإسترليني، في ظل تزايد الرهانات على خفض الفائدة الأميركية وتنامي المخاوف بشأن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، بالتزامن مع ترقب الأسواق لبيانات التضخم الأميركية الهامة والموعد النهائي لتعريفات الرئيس السابق دونالد ترامب في يوليو المقبل.

أداء الدولار الأمريكي اليوم

واصل مؤشر الدولار الأميركي تراجعه اليوم الجمعة مسجلاً مستوى 97.398 نقطة، وهو الأدنى منذ مارس/آذار 2022، في إشارة إلى الضعف المستمر للعملة الأميركية في أسواق الصرف العالمية.

ويتجه المؤشر لتكبد خسائر شهرية بنحو 2%، لتكون هذه سادس خسارة شهرية على التوالي، وهو نمط هبوطي يعكس تحولاً هيكلياً في توقعات المستثمرين حيال سياسة الفائدة الأميركية واتجاهات تدفقات رؤوس الأموال.

ومنذ بداية العام، هبط المؤشر بأكثر من 10%، ما يعكس فقدان الدولار لجاذبيته كعملة ملاذ آمن خلال فترات التباطؤ أو التوترات الجيوسياسية، خاصة مع تراجع عائدات السندات الأميركية وتزايد التوقعات بتيسير نقدي واسع النطاق.

جاء هذا الضعف في الدولار بعد أن هدأت المخاوف الجيوسياسية في الشرق الأوسط، حيث شهدت الأيام الماضية وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وهو ما قلل من طلب المستثمرين على العملة الأميركية كملاذ آمن مؤقت. مع انحسار هذه التوترات، عاد تركيز الأسواق إلى السياسة النقدية الأميركية، التي تمثل حالياً العامل الأكثر تأثيراً على حركة سعر الصرف.

مخاوف بشأن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي

أحد العوامل الجديدة التي زادت الضغط على الدولار هو الجدل السياسي الداخلي في الولايات المتحدة حول مستقبل قيادة مجلس الاحتياطي الفيدرالي. فقد أثيرت تكهنات حول نية الرئيس السابق دونالد ترامب تعيين رئيس جديد للاحتياطي الفيدرالي قبل انتهاء ولاية جيروم باول في مايو/أيار المقبل.

هذا السيناريو أثار قلق المستثمرين بشأن إمكانية تقويض استقلالية البنك المركزي الأميركي، وهي مسألة بالغة الحساسية في أسواق المال العالمية، حيث يُنظر إلى استقلالية الفيدرالي كضمانة أساسية لصدقيته في إدارة السياسة النقدية ومكافحة التضخم.

المخاوف من ضغوط سياسية محتملة لخفض الفائدة لدعم النمو أو أسواق الأسهم دفعت المستثمرين إلى تسعير مزيد من التيسير النقدي.

تصريحات باول الأخيرة تدعم رهانات التيسير

تزايدت التوقعات بخفض الفائدة الأميركية أيضاً بفعل قراءة الأسواق لتصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أمام الكونغرس، والتي اعتُبرت مائلة للتيسير النقدي. فرغم تمسك الفيدرالي رسمياً بسياسة تعتمد على البيانات، فسّر المستثمرون نبرة باول بأنها تلمح إلى استعداد أكبر لخفض أسعار الفائدة إذا استمر تباطؤ التضخم أو ضعف النشاط الاقتصادي.

بناءً على ذلك، قفزت رهانات السوق على خفض الفائدة، حيث تسعّر الأسواق حالياً حوالي 64 نقطة أساس من التيسير خلال هذا العام، مقارنة بـ46 نقطة أساس كانت متوقعة في الأسبوع الماضي فقط، في إشارة إلى تسارع توقعات خفض الفائدة مع كل تطور جديد في الخطاب السياسي والبيانات الاقتصادية.

حركة العملات الرئيسية أمام الدولار

شهدت العملات الرئيسية تحركات ملحوظة في ظل ضعف الدولار:

• اليورو: انخفض قليلاً إلى 1.1688 دولار بعد أن سجل في وقت سابق أعلى مستوى له منذ سبتمبر/أيلول 2021، مستفيداً من تراجع الدولار وضعف العائدات الأميركية، إضافة إلى تحسن التوقعات الاقتصادية في منطقة اليورو بعد استقرار أسعار الطاقة وتراجع التضخم.

• الجنيه الإسترليني: استقر عند 1.3725 دولار، قريباً من أعلى مستوياته منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021، مستفيداً من سياسة بنك إنجلترا الأكثر حذراً في خفض الفائدة مقارنة بالفيدرالي الأميركي.

• الين الياباني: تراجع إلى 144.56 ين للدولار، ليواصل ضعفاً عاماً مرتبطاً بالفارق الواسع في أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة واليابان، حيث يلتزم بنك اليابان بسياسة نقدية فائقة التيسير.

• الفرنك السويسري: استقر عند 0.8013 للدولار، مقترباً من أقوى مستوياته في عقد كامل، في إشارة إلى استمرار جاذبيته كملاذ آمن بديل في ظل ضعف الدولار.

عملات أخرى تستفيد من ضعف الدولار

في آسيا، حققت عملات أخرى مكاسب ملفتة أمام الدولار:

• الدولار التايواني صعد إلى أعلى مستوى له منذ أبريل/نيسان 2022، مدفوعاً بتراجع الدولار الأميركي وتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية الباحثة عن عوائد أعلى في الأسواق الآسيوية الناشئة.

• الدولار الأسترالي صعد إلى 0.654 دولار، محققاً مكاسب أسبوعية قوية بنسبة 1.6%، وهي الأقوى منذ مطلع أبريل/نيسان، مستفيداً من ضعف الدولار الأميركي ومن تحسن توقعات الاقتصاد الصيني، شريك أستراليا التجاري الأكبر.

ترقب حاسم لبيانات التضخم في الولايات المتحدة

تترقب الأسواق الآن بشدة صدور بيانات مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي (Core PCE) في الولايات المتحدة، وهو المعيار المفضل للفيدرالي الأميركي لقياس التضخم. هذه البيانات ستشكل عنصراً حاسماً في تحديد اتجاه السوق في المدى القريب، إذ إن أي قراءة أضعف من المتوقع قد تعزز الرهانات على مزيد من خفض أسعار الفائدة، ما قد يضغط أكثر على الدولار الأميركي.

يأتي هذا الأداء الضعيف للدولار في سياق عالمي يشهد تباطؤاً في النشاط الصناعي والتجاري، توترات جيوسياسية متقطعة، وحرب أسعار خفية بين العملات الرئيسية على خلفية السياسات النقدية المختلفة. في ظل هذه البيئة، يجد المستثمرون أنفسهم في سباق دائم لإعادة توزيع محافظهم وفقاً للتغيرات في توقعات الفائدة العالمية والتدفقات التجارية والاستثمارية.

الخلاصة

يظل الدولار الأميركي تحت ضغط قوي نتيجة عوامل متعددة، من أبرزها ترقب خفض الفائدة الأميركية، المخاوف على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، وتحسن نسبي في الأوضاع الجيوسياسية.

مع ترقب بيانات التضخم الأميركية، ستظل حركة الدولار محكومة إلى حد كبير بالاتجاهات في السياسة النقدية، وسط منافسة متزايدة من عملات أخرى مثل اليورو، الإسترليني، والدولار الأسترالي، إضافة إلى عملات آسيوية تستفيد من تدفقات رؤوس الأموال الباحثة عن عوائد أعلى.